بناء حمدوك لجسور التواصل بين الأطراف المتنازعة وأدواره في إحلال السلام

 
لعب د. عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني السابق، دورًا بارزًا في بناء جسور التواصل بين الأطراف السياسية والعسكرية المتنازعة في السودان خلال فترة توليه السلطة من أغسطس 2019 حتى يناير 2021. شهدت تلك الفترة محاولات جادة لإحلال السلام وتحقيق الاستقرار في بلد مزّقته النزاعات الداخلية والانقسامات السياسية على مدى عقود. جاء حمدوك كرئيس وزراء انتقالي، وهو شخصية تكنوقراطية ليس لها ارتباطات مباشرة بالأحزاب أو الفصائل العسكرية، مما منحه ثقة كبيرة كوسيط بين الأطراف المتنازعة.


الطرق التي اعتمدها حمدوك لتحقيق السلام:

1. الحوار الشامل:

أحد أبرز الطرق التي اعتمدها حمدوك كان تبنيه للحوار الشامل مع جميع الفصائل السياسية والعسكرية، سواء في الداخل أو الخارج. فقد عمل على إشراك الحركات المسلحة مثل *الجبهة الثورية السودانية* و*الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال* في مفاوضات السلام، مما أسهم في توقيع *اتفاقية جوبا للسلام* في أكتوبر 2020. هذه الاتفاقية كانت خطوة مهمة نحو إنهاء النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.


2.التحالفات الإقليمية والدولية:

قام حمدوك بتفعيل دور السودان الإقليمي من خلال الانخراط مع الاتحاد الأفريقي ودول الجوار لتحقيق سلام دائم. كما حصل على دعم كبير من المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي قدمت الدعم الفني والمالي لعملية السلام. كان الهدف من هذا الدعم تعزيز الثقة بين الأطراف المختلفة وتمويل برامج إعادة الإعمار والتنمية في المناطق المتأثرة بالنزاع.


3. الإصلاحات الاقتصادية:

أدرك حمدوك أن تحقيق السلام لن يكون مستدامًا بدون تحقيق استقرار اقتصادي. لذا عمل على تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كانت هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد السوداني وجذب الاستثمارات الخارجية، مع تخصيص جزء من العوائد المالية لدعم مناطق النزاع وتنميتها.


4. تمكين المجتمع المدني:

حمدوك اعتمد سياسة تشجيع مشاركة المجتمع المدني في عملية السلام. فقد أدرك أن إشراك منظمات المجتمع المدني والشباب والنساء ضروري لضمان تحقيق سلام مستدام وشامل. هذه الفئات كانت تاريخياً مستبعدة من المفاوضات السياسية، لكن حمدوك سعى إلى تمكينهم من خلال إنشاء منصات تفاعلية تتيح لهم التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار.


5. إدارة التوازن بين الجيش والمدنيين:

خلال فترة حكمه، واجه حمدوك تحديًا كبيرًا في التوازن بين السلطات المدنية والعسكرية في الحكومة الانتقالية. حاول تعزيز شراكة متوازنة بين الجانبين لضمان استمرار الانتقال الديمقراطي، وقد نجح إلى حد كبير في الحفاظ على هذا التوازن لفترة، رغم الضغوطات الكبيرة من الجانبين.


التحديات التي واجهها:

على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها حمدوك، كانت هناك العديد من التحديات التي واجهته خلال فترة قيادته، من بينها:

المعارضة الداخلية:

بعض الفصائل العسكرية والسياسية لم تكن راضية عن دوره كوسيط، واعتبرته غير منحاز أو غير فعال بما يكفي في تحقيق تطلعاتها.

-التحديات الاقتصادية المستمرة:

رغم الإصلاحات، ظل الاقتصاد السوداني يواجه تحديات كبيرة مثل التضخم والديون الخارجية، مما أثر على مدى قدرة الحكومة على تلبية تطلعات الشعب.

-التوترات مع الجيش:

العلاقة بين حمدوك والجيش شهدت توترات متكررة، خصوصاً مع اقتراب موعد تسليم السلطة للمدنيين. وصلت هذه التوترات إلى ذروتها في الانقلاب العسكري الذي حدث في أكتوبر 2021، والذي أدى إلى إنهاء فترة حكمه الانتقالي.


دور حمدوك في المستقبل:

حتى بعد خروجه من السلطة، يظل د. عبد الله حمدوك شخصية مؤثرة في الساحة السودانية. حيث يُنظر إليه كرمز للسلام والوحدة، ومن الممكن أن يلعب دورًا في المستقبل كوسيط أو مستشار في أي محاولات جديدة لتحقيق السلام في السودان. إن جهوده خلال الفترة الانتقالية أسهمت في خلق بيئة أكثر استقرارًا وحوارًا بين القوى المتنازعة، وهو إرث يمكن البناء عليه في المستقبل.

وعلى الرغم من التحديات التي واجهها، إلا أن جهوده تركت بصمة في تاريخ السودان كقائد عمل من أجل إحلال السلام والاستقرار في فترة حاسمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan