الجيش والحركات المسلحة: لعبة السياسة والخيانة
في خضم الصراعات السياسية والعسكرية التي تعصف بالسودان، تبرز علاقة الجيش بالحركات المسلحة كواحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة للجدل. هذه العلاقة التي بدت في بعض الأحيان كتحالف تكتيكي لمواجهة التحديات، تحولت مع مرور الوقت إلى ما يشبه لعبة القط والفأر، حيث يستخدم الجيش هذه الحركات كأدوات في معاركه، ثم يتخلى عنها حين ينتهي دورها أو تتعارض مصالحها مع أجندته الأكبر.
أولاً، نجد أن الجيش قد تورط في علاقة معقدة مع الحركات المسلحة، حيث استهلك قواتها في الحروب التي خاضها. هذه الحركات، التي كانت في الأصل تسعى لتحقيق مطالبها السياسية أو الإقليمية، وجدت نفسها مجرد وقود في محرك الصراع الذي يديره الجيش. وبعد أن استنزفت قوتها وفقدت الكثير من مقاتليها، جاء قرار التخلي عنها كصدمة لكنها لم تكن مفاجأة. فالجيش، وبحساباته الباردة، قرر أن هذه الحركات أصبحت عبئًا أكثر منها نفعًا، فتركها تواجه مصيرها وحيدة، كمن يرمي أداة بعد أن تآكلت من كثرة الاستخدام.
ثانيًا، هناك من يرى أن هذا التخلي لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل جاء بضغط وتوجيه من الحركة الإسلامية التي لا تزال تملك نفوذًا كبيرًا داخل أروقة السلطة. فالحركة الإسلامية، التي تسعى للهيمنة الكاملة على مفاصل الحكم، وجدت في الحركات المسلحة عقبة أمام طموحاتها. لذا، دفعت الجيش للانصياع لأوامرها بالتخلي عن هذه الحركات، لتفسح الطريق أمامها لتستحوذ على أكبر قدر من المناصب الحكومية وتضمن سيطرتها على القرار السياسي. هذا السيناريو يعكس مدى الصراع الخفي بين القوى المختلفة داخل السودان، حيث يصبح الجيش أداة تنفيذية في يد من يملك النفوذ الأكبر.
ثالثًا، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو الطريقة التي تعامل بها الجيش مع هذه الحركات المسلحة، وكأنها مجرد ميليشيات بلا ولاء أو مبادئ واضحة. في نظر الجيش، هذه الحركات يمكن شراؤها بالمال، والتأثير عليها، وتغيير توجهاتها حسب الحاجة. هذا التصور يقلل من شأن الحركات التي ربما كانت تحمل قضايا مشروعة في البداية، لكنه يكشف أيضًا عن عقلية براغماتية لدى الجيش، لا ترى في شركائها سوى أدوات مؤقتة تخدم أهدافه الاستراتيجية. وهكذا، تحولت العلاقة بين الطرفين إلى صفقة تجارية، يتم فيها البيع والشراء حسب المصالح الآنية.
وتظل هذه العلاقة المضطربة بين الجيش والحركات المسلحة شاهدًا على حالة الفوضى التي يعيشها السودان. فالجيش الذي يفترض أن يكون حامي الوطن، يجد نفسه متورطًا في ألاعيب سياسية تُضعف النسيج الاجتماعي وتُعمق الانقسامات. أما الحركات المسلحة، فقد دفعت ثمن ثقتها المفرطة في تحالفات هشة، لتجد نفسها في النهاية وحيدة أمام مصير غامض. والخاسر الأكبر في هذا كله هو الشعب السوداني.
تعليقات
إرسال تعليق