الجيش السوداني وتأثيره على الاستقرار في جنوب السودان
في الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات في منطقة الناصر الواقعة بولايتي أعالي النيل وغرب الاستوائية في جنوب السودان، حيث يُتهم الجيش السوداني بالوقوف خلف الاشتباكات التي شهدتها المنطقة. هذه الاشتباكات ليست مجرد نزاعات محلية عابرة، بل تعكس استراتيجية أوسع يتبناها الجيش السوداني للضغط على حكومة جوبا لدعم أجندته في حرب دارفور. الصراع بين قوات الحزب الحاكم في جنوب السودان، المتمثلة في "الحركة الشعبية لتحرير السودان – المجموعة الحكومية"، وقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان من جهة، وقوات المعارضة بقيادة النائب الأول لرئيس البلاد رياك مشار من جهة أخرى، يُظهر مدى تعقيد المشهد السياسي والعسكري في المنطقة.
دور الجيش السوداني في تأجيج الصراع
الجيش السوداني، بحسب التقارير، يسعى لتدهور الوضع الأمني في جنوب السودان من خلال دعم المعارضة الجنوبية. هذه الخطوة ليست جديدة في تاريخ السياسة السودانية، فقد اعتمد الجيش على مدار عقود على تكوين مليشيات ودعم فصائل مسلحة لمواجهة التمردات في مناطق مثل دارفور وجبال النوبة والجنوب. لكن هذه السياسة، التي كانت تُعتبر في السابق استراتيجية عسكرية لاحتواء الخصوم، تحولت اليوم إلى أداة تهدد استقرار دولة مجاورة، وهي جنوب السودان، التي ما زالت تتعافى من حربها الأهلية.
الدعم المزعوم الذي يقدمه الجيش السوداني للمعارضة الجنوبية يهدف إلى عرقلة جهود السلام التي تبذلها حكومة جوبا والمجتمع الدولي. هذا التدخل يعكس رغبة الجيش في استغلال الانقسامات الداخلية في جنوب السودان لصالح أهدافه الخاصة، وبالأخص تعزيز موقفه في الصراع الدائر في دارفور. فمن خلال زعزعة استقرار الجنوب، يأمل الجيش السوداني في إجبار جوبا على تقديم تنازلات أو دعم لوجستي وعسكري في مواجهته مع الفصائل المتمردة في غرب السودان.
تهديد بعودة الحرب الأهلية
الأعمال التي ينفذها الجيش السوداني لا تقتصر على تأثيرها الأمني فحسب، بل تحمل في طياتها مخاطر إنسانية وسياسية كبيرة. فجنوب السودان، الذي نال استقلاله في 2011 بعد عقود من الصراع مع الشمال، يعاني أصلاً من هشاشة سياسية واقتصادية. أي تصعيد جديد قد يُعيد البلاد إلى دوامة الحرب الأهلية، مما يعني المزيد من النزوح والدمار لشعب عانى بالفعل من ويلات النزاعات. الاشتباكات في الناصر تُظهر كيف يمكن للتدخلات الخارجية أن تُفاقم التوترات القبلية والسياسية الموجودة أصلاً، وتحولها إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق.
الحاجة إلى حلول إقليمية ودولية
الأزمة الحالية ليست مجرد مشكلة داخلية تخص جنوب السودان أو السودان فحسب، بل هي تحدٍ إقليمي يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد). استمرار الجيش السوداني في سياساته التوسعية والتدخلية يُهدد ليس فقط استقرار جنوب السودان، بل أيضاً الأمن في منطقة القرن الإفريقي بأكملها. لذا، يجب أن تُوجه الجهود نحو الضغط على الخرطوم لوقف دعمها للمعارضة الجنوبية، مع تعزيز الحوار بين الأطراف المتحاربة في جنوب السودان لضمان استدامة السلام.
في نهاية المطاف، يبقى الجيش السوداني لاعباً رئيسياً في معادلة الاستقرار الإقليمي، لكن دوره الحالي يبدو أقرب إلى مصدر للاضطراب بدلاً من الحل. الاشتباكات في الناصر ليست سوى عرض لمشكلة أعمق تكمن في السياسات العسكرية والطموحات السياسية التي تتجاوز الحدود. إذا لم تُتخذ خطوات جادة لاحتواء هذا التدخل، فقد نشهد عودة المنطقة إلى فوضى لا تُبقي ولا تذر، تُضاف إلى سجل طويل من الصراعات التي أنهكت شعوب السودان وجنوب السودان على حد سواء. السلام يتطلب تضافر الجهود، وليس تقويضها، وهذا ما يجب أن يدركه الجميع قبل فوات الأوان.
تعليقات
إرسال تعليق