تصاعد الصراع الداخلي في السودان: وادي سيدنا تحت النار



في تطور خطير يعكس عمق الأزمة التي يعيشها السودان، شهدت قاعدة وادي سيدنا العسكرية، إحدى أهم المنشآت الاستراتيجية في البلاد، سلسلة من الأحداث المأساوية التي كشفت عن تصاعد التوترات بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية. هذه الأحداث، التي تضمنت اختراقات أمنية عميقة وتحطم طائرات عسكرية، أودت بحياة شخصيات بارزة وألقت بظلال كثيفة على مستقبل الاستقرار في السودان.
خلفية الصراع
منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عانى السودان من انهيار شامل في النسيج الاجتماعي والسياسي. لكن ما بدا في البداية صراعًا بين قوتين عسكريتين، تحول تدريجيًا إلى شبكة معقدة من الخلافات الداخلية. الجيش، المدعوم من الحركة الإسلامية التي كانت تشكل أحد أعمدة نظام الرئيس السابق عمر البشير، وجد نفسه في مواجهة تحديات لم تكن متوقعة، ليس فقط من خصومه الخارجيين، بل من انقسامات داخلية بدأت تظهر على السطح.
قاعدة وادي سيدنا، الواقعة شمال أم درمان بالقرب من الخرطوم، كانت دائمًا رمزًا للقوة العسكرية السودانية، لكنها أصبحت اليوم مسرحًا لأحداث تكشف عن هشاشة التحالفات التي يعتمد عليها الجيش. تقارير حديثة أشارت إلى أن الخلافات بين قيادات الجيش والحركة الإسلامية وصلت إلى ذروتها، وسط اتهامات متبادلة بالتخطيط لتصفية بعضهم البعض في محاولة للسيطرة على دفة القوة.
تحطم الطائرة: حادث أم عمل مدبر؟
في يوم الثلاثاء الموافق 25 فبراير 2025، تحطمت طائرة عسكرية من طراز "أنتنوف" أثناء إقلاعها من قاعدة وادي سيدنا، مما أسفر عن مقتل 46 شخصًا، بينهم اللواء بحر أحمد بحر، أحد القادة العسكريين البارزين المرتبطين بفض اعتصام الخرطوم في يونيو 2019، وهي الحادثة التي تُعد واحدة من أكثر الأحداث دموية في تاريخ السودان الحديث. الجيش أرجع الحادث إلى "عطل فني"، لكن شكوكًا واسعة بدأت تظهر حول احتمال أن يكون الحادث عملًا متعمدًا نفذته جهات داخلية أو خارجية.
ما زاد من حدة التكهنات هو تقارير عن تحطم طائرة أخرى في اليوم التالي، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحوادث جزءًا من سلسلة هجمات موجهة تهدف إلى إضعاف الجيش. بعض المصادر على منصات التواصل الاجتماعي تحدثت عن هجمات بمسيرات استهدفت القاعدة، مدعية تدمير مخازن أسلحة ثقيلة، وهو ما لم يتم تأكيده رسميًا بعد، لكنه يعزز الرواية القائلة بأن وادي سيدنا أصبحت هدفًا رئيسيًا في هذا الصراع.
الانقسامات الداخلية والتداعيات
الخبر الذي نشر تحت عنوان "وادي سيدنا يشهد توترات متصاعدة بين الجيش والإسلاميين" يكشف عن جانب آخر من الأزمة. يبدو أن الجيش والحركة الإسلامية، اللذين كانا حليفين في مواجهة قوات الدعم السريع، باتا الآن في مواجهة مباشرة. هناك من يرى أن الحركة الإسلامية تسعى لاستعادة نفوذها السياسي عبر الجيش، بينما يخشى بعض قادة الجيش من أن تتحول هذه الشراكة إلى هيمنة كاملة من الإسلاميين، مما قد يعيد البلاد إلى مربع الحكم الاستبدادي.
تحطم الطائرة ومقتل شخصيات مثل اللواء بحر، الموالية للنظام السابق، قد يُفسر على أنه محاولة لتصفية رموز النظام القديم من قبل فصائل داخل الجيش أو حتى من الحركة الإسلامية نفسها. هذه الفرضية تكتسب زخمًا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الضحايا وُصفوا بأنهم "متورطون في دمار السودان"، وهي عبارة تحمل دلالات سياسية عميقة.
السودان على حافة الهاوية
ما يحدث في وادي سيدنا ليس مجرد سلسلة حوادث عسكرية، بل هو انعكاس للانهيار الشامل الذي يعيشه السودان. الصراع الداخلي بين الجيش والحركة الإسلامية، يضع البلاد على شفا الفوضى التامة. الشعب السوداني، الذي عانى بالفعل من نزوح الملايين ومقتل الآلاف، يجد نفسه عالقًا بين مطرقة الحرب وسندان الانقسامات الداخلية.
قاعدة وادي سيدنا، التي كانت يومًا رمزًا للقوة، أصبحت اليوم شاهدة على انهيار التحالفات وتصاعد الصراعات الداخلية. تحطم الطائرات ومقتل القادة ليس سوى تجليات لهذا الواقع المرير. السودان بحاجة ماسة إلى وقفة جادة من كل الأطراف، داخلية وخارجية، لإنقاذ ما تبقى منه قبل أن يغرق تمامًا في مستنقع الدمار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan