بداية الوقفة الاحتجاجية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي: صرخة ضد الظلم في السودان
في التاسع من أبريل 2025، شهدت مدينة لاهاي الهولندية، مقر المحكمة الجنائية الدولية، حدثًا بارزًا يعكس معاناة الشعب السوداني وصموده في مواجهة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. تجمع مئات السودانيين، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، في وقفة احتجاجية سلمية أمام المحكمة، ليرفعوا صوتهم ضد ما وصفوه بـ"مجازر المدنيين" التي ترتكبها قوات مرتبطة بجيش الحركة الإسلامية في السودان. هذه الوقفة لم تكن مجرد تجمع احتجاجي، بل كانت صرخة مدوية للمطالبة بالعدالة ووقف القتل والذبح الذي يستهدف المدنيين، والذي يُنسب إلى جماعات متطرفة أطلق عليها المتظاهرون اسم "دواعش السودان".
جذور الأزمة ودوافع الاحتجاج
تعود جذور هذا الاحتجاج إلى النزاع المسلح الدائر في السودان منذ أبريل 2023، والذي شهد تصاعدًا خطيرًا في انتهاكات حقوق الإنسان. تقارير عديدة وثّقت عمليات قتل خارج نطاق القانون، وهجمات عنصرية، وعنف جنسي، وتشريد جماعي للسكان، خاصة في مناطق مثل دارفور والخرطوم. المتظاهرون، في لافتاتهم وشعاراتهم، أشاروا إلى تورط قوات مثل "كتيبة البراء بن مالك" و"قوات العمل الخاص" و"الأمن الشعبي"، التي يربطونها بالحركة الإسلامية، في هذه الجرائم. هذه الجماعات، بحسب المتظاهرين، تمارس القتل بدم بارد، مستغلة الفوضى الناتجة عن الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
الوقفة الاحتجاجية جاءت كاستجابة مباشرة لهذا الواقع المأساوي، حيث رفع المتظاهرون لافتات تطالب بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. كما دعوا المجتمع الدولي، ممثلاً بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى التدخل العاجل لوقف العنف الممنهج الذي يستهدف المدنيين على أساس عرقي وإثني.
رمزية المكان والتوقيت
اختيار مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كموقع للاحتجاج لم يكن اعتباطيًا. فالمحكمة تُعد رمزًا عالميًا للعدالة الدولية، وقد سبق لها أن أصدرت مذكرات توقيف بحق شخصيات سودانية بارزة، مثل الرئيس السابق عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. المتظاهرون أرادوا من خلال هذا التجمع توجيه رسالة واضحة: أن الإفلات من العقاب الذي طال أمد الانتهاكات في السودان يجب أن ينتهي، وأن المحكمة مدعوة لتوسيع نطاق تحقيقاتها لتشمل الجرائم الجديدة التي ترتكب اليوم.
أما التوقيت، فإن الوقفة تزامنت مع تصاعد التقارير عن إعدامات جماعية في الخرطوم بعد استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على أجزاء من المدينة في مارس 2025. هذه الأحداث، التي وثقتها مقاطع فيديو مروعة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت السودانيين في الشتات إلى تنظيم هذا الحراك للفت الانتباه إلى خطورة الوضع.
مطالب المتظاهرين وأثر الوقفة
لم تقتصر مطالب المتظاهرين على وقف القتل والذبح فحسب، بل شملت أيضًا تصنيف الحركة الإسلامية ومليشياتها كـ"تنظيم إرهابي"، ومحاسبة قادتها على دورهم في تأجيج العنف. كما طالبوا بتسريع التحقيقات الدولية وضمان حماية المدنيين، خاصة في المناطق التي تتعرض لهجمات ذات طابع إثني، مثل دارفور وكردفان.
هذه الوقفة، رغم بساطتها، تحمل دلالات عميقة. فهي تمثل بداية صوت شعبي عالمي يسعى لكسر جدار الصمت حول ما يحدث في السودان. كما أنها تؤكد أن الشعب السوداني، سواء داخل البلاد أو في المهجر، لم يعد قادرًا على تحمل المزيد من المعاناة دون تحرك دولي حاسم.
التحديات والآمال
ورغم قوة الرسالة التي حملتها الوقفة، فإن التحديات أمام تحقيق العدالة لا تزال جسيمة. المحكمة الجنائية الدولية، التي تعتمد على تعاون الدول الأعضاء، تواجه قيودًا في فرض سلطتها على السودان، الذي ليس طرفًا في نظام روما الأساسي. كما أن استمرار النزاع المسلح يعقد جهود توثيق الجرائم ومحاسبة الجناة.
وإن بداية الوقفة الاحتجاجية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ليست نهاية المطاف، بل بداية لمسيرة طويلة نحو العدالة. إنها تذكير بأن الشعب السوداني لن يصمت أمام الانتهاكات التي يتعرض لها، وأن "يد دواعش السودان"، كما وصفها المتظاهرون، لن تستمر في القتل دون مساءلة. في النهاية، تبقى هذه الوقفة شاهدة على إرادة شعب يرفض الاستسلام، ويطالب بحقه في الحياة والكرامة والعدالة.
تعليقات
إرسال تعليق