خطة البرهان: إحياء نفوذ الحركة الإسلامية عبر "المقاومة الشعبية"
تشهد الساحة السياسية في السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 تطورات معقدة، كشفت عنها بوضوح علاقة الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان بالحركة الإسلامية وتنظيم الإخوان المسلمين. في الآونة الأخيرة، برزت مؤشرات قوية تشير إلى أن البرهان يتبنى استراتيجية لإعادة تمكين الحركة الإسلامية تحت ستار "المقاومة الشعبية"، وهي خطوة تثير تساؤلات جدية حول نواياه الحقيقية ومدى التزامه بالوعود التي قطعها للمجتمع الدولي بشأن التحول الديمقراطي وبناء دولة مدنية.
"المقاومة الشعبية": واجهة جديدة لنفوذ قديم
"المقاومة الشعبية"، كما تُروج لها الجهات المرتبطة بالجيش، تُقدم على أنها حركة شعبية تهدف إلى دعم القوات المسلحة في مواجهة قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023. لكن تحليل السياق وتصريحات المراقبين يكشف أن هذه المبادرة قد تكون مجرد غطاء لإعادة تنظيم وتمكين عناصر الحركة الإسلامية، التي كانت العمود الفقري لنظام عمر البشير السابق. هذه العناصر، التي عُرفت باسم "الكيزان" في الأوساط الشعبية، لم تختفِ من المشهد السياسي بعد الثورة، بل استمرت في العمل من خلف الكواليس، مستغلة علاقتها التاريخية بالمؤسسة العسكرية.
تقارير إعلامية وتحليلات سياسية، مثل تلك التي نشرتها منصات مثل "الراكوبة" و"إرم نيوز"، أشارت إلى أن البرهان يعتمد بشكل متزايد على دعم الحركة الإسلامية لتعزيز موقفه في الحرب ضد قوات الدعم السريع. هذا الدعم ليس مجرد تعاون تكتيكي، بل يعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة هيكلة النفوذ السياسي للإخوان تحت مسميات جديدة، بعيدًا عن الأضواء المباشرة. فكرة "المقاومة الشعبية" تتيح للإسلاميين فرصة تجنيد المقاتلين، تنظيم الحشود، وتعزيز وجودهم في الأحياء والقرى تحت مظلة "الدفاع عن الوطن"، مما يمنحهم شرعية شعبية مؤقتة.
ارتباط الجيش بتنظيم الإخوان: جذور تاريخية
العلاقة بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية ليست وليدة اللحظة. خلال فترة حكم البشير (1989-2019)، تمارس سياسة "التمكين" التي ضمنت سيطرة الإسلاميين على المؤسسات العسكرية والأمنية، مما جعل الجيش أداة لخدمة مشروع الإسلام السياسي. حتى بعد سقوط البشير، استمر هذا النفوذ من خلال كوادر عسكرية وسياسية ظلت مخلصة للتنظيم. البرهان نفسه، الذي تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد الثورة، واجه اتهامات متكررة بالاعتماد على الإسلاميين لتعزيز سلطته، خاصة بعد قراراته بإنهاء الشراكة مع القوى المدنية في أكتوبر 2021.
تصريحات البرهان المتكررة بأن "الجيش ليس فيه كيزان" وأنه لا يتبع أي جهة سياسية تبدو متناقضة مع الواقع. فقد أظهرت الأحداث، مثل إطلاق سراح قيادات بارزة من حزب المؤتمر الوطني المحلول، مثل إبراهيم غندور، وتزايد نشاط الإسلاميين في المشهد العام، أن هناك تعاونًا وثيقًا بين الجيش وهذه الجماعات. هذا التعاون بلغ ذروته في الحرب الحالية، حيث وجد الإسلاميون فرصة ذهبية لاستعادة نفوذهم من خلال الانخراط في "المقاومة الشعبية" والقتال إلى جانب الجيش.
تناقض مع الالتزامات الدولية
البرهان، في خطاباته، حاول طمأنة المجتمع الدولي بأن الجيش ملتزم بالتحول الديمقراطي وإقامة نظام مدني. لكن خطواته على الأرض، بما في ذلك دعم "المقاومة الشعبية" كواجهة للإسلاميين، تناقض هذه التصريحات. المجتمع الدولي، بما في ذلك الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، السعودية، والإمارات)، أبدى قلقًا متكررًا من عودة الإسلاميين إلى السلطة، معتبرًا أن ذلك يهدد استقرار السودان ويُعيق الانتقال السياسي.
على سبيل المثال، كشفت تقارير عن تورط رجال أعمال مقربين من البرهان في نقل كميات ضخمة من الذهب إلى تركيا لتمويل فلول نظام البشير، مما يشير إلى محاولات لإعادة تنظيم الإسلاميين ماليًا وسياسيًا. هذه الأنشطة لا تعزز فقط نفوذ الإخوان، بل تُظهر أيضًا أن البرهان يعمل على تقوية تحالفه معهم، على حساب أي تقدم نحو دولة مدنية ديمقراطية.
بوادر صدام أم لعبة سياسية؟
في الفترة الأخيرة، ظهرت توترات بين البرهان والحركة الإسلامية، خاصة بعد هجوم الداعية عبد الحي يوسف على البرهان، واصفًا إياه بـ"الخائن" و"بلا دين". هذه التصريحات، التي أثارت جدلًا واسعًا، قد تُفسر على أنها محاولة من بعض قيادات الإخوان للضغط على البرهان لتسريع خطوات تمكينهم، أو ربما كشف عن خلافات داخلية حول تقاسم النفوذ. ومع ذلك، يرى محللون أن هذه التوترات قد تكون مجرد مسرحية سياسية تهدف إلى تبييض صفحة البرهان أمام المجتمع الدولي، بينما يستمر التعاون في الخفاء.
الخطر على مستقبل السودان
خطة البرهان لدعم الحركة الإسلامية عبر "المقاومة الشعبية" تحمل مخاطر جسيمة على مستقبل السودان. أولًا، إنها تُعزز الانقسامات السياسية والاجتماعية، حيث تُثير مخاوف القوى المدنية والثورية التي ناضلت ضد نظام البشير. ثانيًا، إنها تُعيق جهود بناء جيش وطني محترف، كما نصت الوثيقة الدستورية الانتقالية، التي شددت على منع تكوين مليشيات موازية. ثالثًا، إنها تُهدد بإطالة أمد الحرب، حيث يُمكن أن تُستغل هذه المبادرات لتصعيد الصراع بدلًا من إنهائه.
تعليقات
إرسال تعليق