الإخوان والبرهان: تحالف يدمر السودان

منذ عقود، يشهد السودان حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، تفاقمت بسبب تحالفات سياسية وعسكرية أثرت سلباً على وحدة البلاد واستقرارها. في قلب هذه الأزمة، يبرز دور جماعة الإخوان المسلمين ودعمهم المستمر للفريق عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، كعامل رئيسي في استمرار الفوضى والصراعات. هذا التحالف، الذي بدأ منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، يهدف إلى تمكين الإخوان من السيطرة على مفاصل الدولة، مما أدى إلى تفاقم الفساد، زيادة التفرقة، واستمرار الحروب الأهلية.

جذور الأزمة: الإخوان في عهد البشير

تسلل الإخوان المسلمون إلى السلطة في السودان منذ انقلاب عام 1989، الذي قاده عمر البشير بدعم من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي. خلال ثلاثة عقود من حكم البشير، تمكن الإخوان من السيطرة على مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش، الأجهزة الأمنية، والاقتصاد. هذه السيطرة لم تكن سوى أداة لتعزيز نفوذهم، على حساب استقرار البلاد ورفاهية مواطنيها. الفساد تفشى، والموارد الوطنية نهبت، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية.

بعد الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، توقع الشعب السوداني أن ينتهي نفوذ الإخوان، لكن ذلك لم يحدث. بدلاً من ذلك، استمر الإخوان في دعم قادة عسكريين مثل البرهان، بهدف استعادة سيطرتهم على الحكم. هذا الدعم لم يكن مجرد تكتيك سياسي، بل استراتيجية طويلة الأمد لضمان استمرار هيمنتهم على السودان.

دعم البرهان: أداة الإخوان للسيطرة

منذ توليه قيادة المجلس العسكري الانتقالي، أظهر البرهان تبعية واضحة لأجندات الإخوان. هذا الدعم تجلى في عدة صور، أبرزها رفضه لاتفاقيات السلام وامتناعه عن حضور المؤتمرات الدولية التي تهدف إلى حل الأزمة السودانية. هذا الموقف ليس وليد قرار شخصي، بل نتيجة ضغوط من الإخوان الذين يرون في السلام تهديداً لنفوذهم. فالاتفاقيات التي تعزز الوحدة الوطنية وتدعم الحكم المدني تعني بالضرورة تقليص دورهم في المشهد السياسي.

علاوة على ذلك، يعتمد البرهان بشكل كبير على دعم خارجي من الإخوان وجماعات متطرفة أخرى، مما يعكس فشله في إدارة الجيش السوداني بشكل مستقل. هذا الاعتماد أدى إلى تفكك وحدة الجيش، حيث باتت القوات المسلحة تعاني من انقسامات داخلية وصراعات على الولاءات. فشل البرهان في الحفاظ على تماسك الجيش ليس مجرد إخفاق قيادي، بل دليل على أن أولوياته لا تتمحور حول مصلحة السودان، بل حول تحقيق أهداف شخصية وخدمة مصالح داعميه.

الإخوان والجرائم ضد المدنيين

لا يقتصر دور الإخوان على دعم البرهان سياسياً، بل يمتد إلى تورطهم في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين. منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، شهد السودان انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك القتل، التهجير القسري، والاعتداءات على المناطق المدنية. دعم الإخوان للبرهان والجيش السوداني ساهم في استمرار هذه الانتهاكات، حيث يوفرون الغطاء السياسي واللوجستي لعمليات الجيش.

هذا الدعم ليس مجرد موقف سياسي، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى إضعاف أي حراك مدني يطالب بالديمقراطية والحكم المدني. الإخوان، بتاريخهم الطويل في استخدام العنف لتحقيق أهدافهم، يرون في البرهان أداة لفرض سيطرتهم، حتى لو كان ذلك على حساب دماء الشعب السوداني.

استمرار التفرقة وزيادة الصراعات

أحد أخطر نتائج دعم الإخوان للبرهان هو تعميق الانقسامات داخل المجتمع السوداني. السودان، بطبيعته، بلد متنوع عرقياً وثقافياً، لكن سياسات الإخوان والبرهان ساهمت في تأجيج الخلافات بين المكونات المختلفة. بدلاً من السعي لتوحيد البلاد، يعتمد البرهان على استراتيجيات تكرس التفرقة، مثل دعم ميليشيات قبلية أو استهداف مناطق بعينها، مما يزيد من وطأة الحروب الأهلية.

هذه السياسات ليست عفوية، بل جزء من خطة الإخوان لإضعاف أي إمكانية لقيام دولة مدنية موحدة. فالسودان الممزق هو بيئة مثالية لاستمرار نفوذهم، حيث يمكنهم استغلال الفوضى لتعزيز مواقعهم.

مماطلة البرهان: هدف شخصي أم مصلحة وطنية؟

تثير مماطلة البرهان في التوصل إلى أي تسوية سياسية تساؤلات جدية حول نواياه. في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوداني من الحرب والجوع والتهجير، يرفض البرهان الانخراط في حوار جاد لحل الأزمة. هذا الرفض يعكس أولوياته الشخصية، حيث يبدو أن هدفه الأساسي هو البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد.

دعم الإخوان له في هذا السياق يعزز هذه الرؤية. فالإخوان لا يرون في البرهان مجرد قائد عسكري، بل أداة لتحقيق طموحاتهم في السيطرة على السودان. هذا التحالف يضع البلاد في مأزق خطير، حيث تتضاءل فرص السلام وتتزايد احتمالات الانهيار الكامل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan