كامل إدريس وحكومة السودان الجديدة: تحديات الخلافات السياسية في ظل الحرب

 


في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مرسوماً دستورياً في 19 مايو 2025 بتعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيساً لمجلس الوزراء. هذا القرار جاء في لحظة سياسية معقدة، حيث يواجه السودان حرباً أهلية دامية منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين. تعيين إدريس، الذي يُنظر إليه كشخصية تكنوقراطية ذات خلفية دولية، يُعد محاولة لاستعادة الشرعية السياسية وتهيئة الأرضية لتسويات دولية، لكنه أثار انقسامات حادة بين الأطراف السياسية والحركات المسلحة الداعمة للجيش.

خلفية كامل إدريس وتوقعات المرحلة

كامل إدريس، من مواليد أم درمان عام 1954، ينحدر من أصول نوبية ويمتلك سيرة أكاديمية ومهنية مميزة. حصل على بكالوريوس القانون من جامعة الخرطوم وعمل مديراً عاماً للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) بين 1997 و2008، مما منحه شبكة علاقات دولية واسعة. هذه الخلفية جعلت البعض يرى فيه شخصية قادرة على فتح آفاق سياسية جديدة للسودان، خاصة في ظل الحاجة إلى إنهاء العزلة الإقليمية والدولية وجذب الدعم لإعادة الإعمار. لكن آخرين، مثل القيادي في حركة العدل والمساواة، عبّروا عن رفضهم القاطع لتعيينه، معتبرينه خطوة مفاجئة تفتقر إلى التشاور مع الحلفاء.

الخلافات حول تشكيل الحكومة الجديدة

قرار إدريس بحل الحكومة الحالية فور مباشرته لمهامه أثار موجة من الجدل. هذه الخطوة جاءت وسط ضغوط متزايدة من الحركة الإسلامية على البرهان لتشكيل حكومة تضم قيادات من الصف الثاني في الحركة، يتم تسويقها كتكنوقراط، بينما تسعى أطراف مقربة من البرهان إلى إبعاد الحركات المسلحة عن وزارات رئيسية مثل المالية والمعادن. هذا الصراع على السلطة يعكس انقسامات عميقة داخل تحالف بورتسودان، الذي يعاني من أزمة ثقة متفاقمة.

سلطة بورتسودان، التي اتخذها الجيش مركزاً لإدارة شؤون البلاد بعد تدمير الخرطوم، تسعى أيضاً لمراجعة نسبة مشاركة الحركات المسلحة، التي كانت تُشكل 25% من هياكل السلطة بموجب اتفاق جوبا. هذا التوجه يأتي بعد خسائر كبيرة تلقتها الحركات في مناطق مثل كردفان ودارفور، حيث يسيطر الجيش الآن على عشر ولايات من أصل 18، بينما تتقاسم قوات الدعم السريع وحلفاؤها السيطرة على مناطق أخرى. هذه الخسائر أضعفت نفوذ الحركات المسلحة، مما دفع سلطة بورتسودان إلى محاولة تقليص حصتها في الحكومة الجديدة.

تحديات كامل إدريس

يواجه إدريس تحديات جمة، أبرزها جمع الفرقاء السياسيين في ظل انقسامات حادة. مراقبون يرون أن إنهاء الحرب بكل أشكالها هو المهمة الأولى، إلى جانب وضع خطط شاملة لإعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. لكن الانقسامات داخل المعسكر الداعم للجيش، خاصة رفض حركة العدل والمساواة لتعيينه، تعقد هذه المهمة. كما أن اتهامات بعض الإسلاميين له بأنه “شيوعي” أو “جمهوري”، كما ورد في منشورات على منصة إكس، تضيف بُعداً إيديولوجياً للصراع.

على الصعيد الدولي، تلقى تعيين إدريس ترحيباً حذراً. الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أعرب عن أمله في أن يكون هذا التعيين خطوة نحو تشكيل حكومة تكنوقراطية واسعة التمثيل. لكن الحكومة البريطانية أكدت أنها لن تعترف بأي حكومة تنتجها أطراف النزاع الحالي، مشددة على ضرورة وقف القتال واستئناف عملية سياسية حقيقية. هذا الموقف يعكس تحدياً آخر أمام إدريس، وهو كسب الشرعية الدولية في ظل حكومة يراها البعض “سلطة أمر واقع” غير شرعية.

هل ينجح إدريس في استعادة الاستقرار؟

تشير بعض التقرير إلى أن تعيين إدريس قد يكون محاولة من البرهان لإضعاف نفوذ حلفائه العسكريين وتهيئة الملعب لتسويات دولية. لكن التحدي الأكبر يكمن في قدرته على إدارة حوار شامل مع القوى السياسية، بما في ذلك حركتي عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو، لتحويلهما إلى قوى مدنية، وهو ما يتطلب مهارات دبلوماسية عالية. كما أن نفي إدريس لمزاعم تشكيل حكومة تضم كتائب البراء ودرع السودان يعكس محاولته لتبديد الشكوك حول استقلاليته.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan