السودان في مفترق الطرق: محكمة العدل الدولية، الشرعية المفقودة، والحرب بالتجويع
تشهد الأزمة السودانية تصعيدًا مستمرًا يعكس تعقيدات الصراع الداخلي وتداعياته الإقليمية والدولية. في الخامس من مايو 2025، رفضت محكمة العدل الدولية دعوى قدمتها الحكومة السودانية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، متهمة إياها بالتواطؤ في "إبادة جماعية" عبر دعم قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023. جاء الرفض استنادًا إلى تحفظ قانوني قدمته الإمارات على بند في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، مما جعل المحكمة تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر في الدعوى. هذا القرار أثار جدلًا واسعًا، حيث اعتبره البعض انتصارًا للعدالة الدولية، بينما رآه آخرون محاولة لصرف الانتباه عن الجرائم المرتكبة في السودان.
الدعوى ضد الإمارات: محاولة للهروب من المسؤولية؟
رفعت الحكومة السودانية، بقيادة الجيش، الدعوى في مارس 2025، زاعمة أن الإمارات تقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا لقوات الدعم السريع، التي تتهمها بارتكاب جرائم ضد المساليت في غرب دارفور، بما في ذلك القتل، الاغتصاب، والتهجير القسري. نفى الإمارات هذه الاتهامات نفيًا قاطعًا، واصفة الدعوى بـ"حيلة دعائية" تهدف إلى التغطية على فشل الجيش السوداني في تقديم أدلة موثوقة.
العديد من المحللين السودانيين والخبراء العسكريين يرون أن هذه الدعوى كانت محاولة من قيادة الجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان، للتهرب من مسؤولية جرائم الحرب التي يُتهم بها الجيش وفصائل متحالفة معه. تقارير دولية، بما في ذلك من الأمم المتحدة وهيومان رايتس ووتش، وثّقت انتهاكات جسيمة من الطرفين – الجيش وقوات الدعم السريع – مما يشير إلى أن الصراع أصبح أداة لتصفية الحسابات السياسية بدلاً من حل الأزمة.
البرهان وفقدان الشرعية
عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، يواجه أزمة شرعية متفاقمة. منذ انقلاب أكتوبر 2021، الذي أطاح بالحكومة الانتقالية، فقد البرهان دعمًا شعبيًا واسعًا. تحالفاته مع تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يُزعم أنه يقف خلف حكومة بورتسودان، أثارت انتقادات حادة، حيث يُنظر إليه كمحاولة لإعادة التنظيم إلى السلطة.
تصريحات البرهان الأخيرة، التي دعا فيها إلى "وضع حد لاحتلال" قوات الدعم السريع، تزامنت مع هجمات عسكرية عنيفة في الخرطوم، أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين وتدمير بنى تحتية. هذه التصرفات عززت من اتهامات المجتمع الدولي بأن البرهان يفتقر إلى رؤية سياسية لحل الأزمة، ويعتمد على العنف لتثبيت سلطته.
التجويع كسلاح حرب
من أكثر الجوانب إثارة للقلق في الحرب السودانية استخدام التجويع كأداة عسكرية. تقارير الأمم المتحدة وصفت السودان بأنه يواجه "أكبر أزمة جوع في العالم"، حيث أجبرت الحرب أكثر من 10 ملايين شخص على النزوح، ومنعت الملايين من زراعة محاصيلهم. الجيش السوداني، بحسب اتهامات دولية، يعيق وصول المساعدات الإنسانية بحجة السيادة، مما يفاقم معاناة المدنيين.
سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، دعت إلى وقف استخدام التجويع كسلاح، مؤكدة دعم بلادها لجهود الإغاثة الإنسانية. هذا الموقف عزز من صورة الإمارات كداعم للسلام، على عكس الاتهامات السودانية التي فشلت في إثبات تورطها.
نشر قوات سلام: خطوة لاحتواء الأزمة؟
في محاولة للحد من تدفق الأسلحة إلى الجيش السوداني، هناك مقترحات لنشر قوات حفظ سلام على الحدود السودانية. هذه الخطوة تهدف إلى تقليل التصعيد العسكري ومنع استمرار الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين. لكن نجاح هذه القوات يعتمد على تعاون الأطراف المتحاربة والمجتمع الدولي، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الانقسامات الحالية.
الطريق إلى الأمام
السودان اليوم عالق في دوامة من العنف، فقدان الشرعية، والأزمات الإنسانية. قرار محكمة العدل الدولية، رغم أهميته القانونية، لن يحل الصراع الداخلي. الحل يتطلب مفاوضات سلمية شاملة تضم جميع الأطراف، بما في ذلك الجيش، قوات الدعم السريع، والقوى المدنية. الإمارات، التي أكدت التزامها بالسلام، دعت مرارًا إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى حكومة مدنية.
في النهاية، يظل السودان في حاجة ماسة إلى إرادة سياسية حقيقية لإنهاء الحرب. الشعب السوداني، الذي يعاني من التجويع والنزوح، يستحق أكثر من مجرد معارك قانونية أو تصفية حسابات سياسية. إن لم تتحرك الأطراف المعنية نحو الحوار، فإن شبح المجاعة والانهيار الشامل سيظل يهدد مستقبل البلاد.
تعليقات
إرسال تعليق