استهداف قاعدة عثمان دقنة: تصعيد خطير في الحرب السودانية

تُعد قاعدة عثمان دقنة الجوية في مطار بورتسودان واحدة من أهم المنشآت العسكرية في السودان، لكنها تحولت إلى ركام في 4 مايو 2025 بعد هجوم مدمر بطائرات مسيرة نفذته قوات الدعم السريع. هذا الهجوم ليس مجرد حدث عسكري عابر، بل نقطة تحول خطيرة في مسار الحرب الأهلية السودانية التي بدأت في أبريل 2023، ويكشف عن مدى تعقيد الصراع الذي يجمع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع تدخلات خارجية متزايدة.

خلفية الهجوم

في 26 أبريل 2025، وصلت طائرات شحن عسكرية تركية إلى مطار بورتسودان تحمل طائرات مسيرة من طراز "أكنجي" و"TB-2"، إلى جانب خبراء أتراك لتشغيلها. هذه الخطوة جاءت كجزء من دعم تركيا للجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وبعد أيام قليلة، في 2 مايو، استخدمت هذه الطائرات المسيرة لاستهداف مطار نيالا، الواقع تحت سيطرة الدعم السريع، في هجوم أظهر تفوقًا مؤقتًا للجيش.

لكن الدعم السريع لم يتأخر في الرد. في 4 مايو، شنت هجومًا بطائرات مسيرة على قاعدة عثمان دقنة، مستهدفة برج المراقبة ومستودع ذخائر يحتوي على براميل متفجرة بوزن 500 كيلوغرام. أدى الهجوم إلى تدمير عدد كبير من الأصول العسكرية، بما في ذلك:

طائرة يوشن وثلاث طائرات أنتونوف.

الطائرة الرئاسية المستخدمة من قبل البرهان.

طائرة مقاتلة من طراز FTC2000، وعدد من طائرات K8 تحت الصيانة.

أجهزة تشويش وطائرات مسيرة تركية الصنع.

تداعيات الهجوم

الهجوم لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل حمل دلالات استراتيجية وسياسية. أولاً، كشف عن ضعف الدفاعات الجوية في قاعدة عثمان دقنة، التي كانت تُعتبر معقلًا آمنًا للجيش. ثانيًا، أظهر قدرات الدعم السريع المتقدمة في استخدام الطائرات المسيرة، ثالثًا، أجبر الخبراء الأتراك على مغادرة السودان على عجل عبر طائرة إخلاء طبي وصلت من تركيا في منتصف ليل 4 مايو، مما قد يؤثر على العلاقات بين أنقرة والخرطوم.

الدور التركي في الصراع

تركيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، وجدت في السودان فرصة لدعم الحكومة "الشرعية" بقيادة البرهان. إمدادات الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الطائرات المسيرة، تعكس استراتيجية أنقرة لمواجهة النفوذ الإماراتي المزعوم في دعم الدعم السريع. ومع ذلك، فإن خسارة الطائرات المسيرة التركية في الهجوم تُعد ضربة لسمعة تركيا كمصدر لتكنولوجيا عسكرية متقدمة، خاصة بعد نجاحات سابقة للطائرات مثل "بيرقدار TB-2" في صراعات مثل أوكرانيا وليبيا.

تصعيد إقليمي وإنساني

هذا الهجوم يُضاف إلى سلسلة من التصعيدات التي حولت السودان إلى ساحة للصراعات بالوكالة. فبينما تدعم تركيا  الجيش السوداني، وتسعى روسيا وإيران لتأمين موطئ قدم على البحر الأحمر. هذه التدخلات تزيد من تعقيد الحرب وتطيل أمدها، بينما يدفع الشعب السوداني الثمن.

من الناحية الإنسانية، فإن تدمير البنية التحتية في بورتسودان، بما في ذلك الوقود والمطار، يهدد بتعطيل إيصال المساعدات في وقت وصفته الأمم المتحدة بأنه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم". مع نزوح أكثر من 12 مليون شخص ومعاناة نصف السكان من الجوع الحاد، فإن استمرار التصعيد ينذر بكارثة أكبر.

استهداف قاعدة عثمان دقنة ليس مجرد خسارة عسكرية، بل علامة على تصاعد الحرب التكنولوجية والسياسية في السودان. الطائرات المسيرة، سواء التركية أو تلك التي يستخدمها الدعم السريع، أصبحت أداة رئيسية في هذا الصراع، لكنها تزيد من دمار البلاد بدلاً من حسمه. في ظل غياب حوار جاد بين الأطراف المتحاربة، ومع استمرار التدخلات الخارجية، يبقى السودان عالقًا في دوامة عنف تهدد وجوده كدولة موحدة. الخروج من هذه الأزمة يتطلب وقفًا فوريًا لإطلاق النار وتدخلًا دوليًا محايدًا لدعم عملية سياسية شاملة، قبل أن تُطحن البلاد بالكامل تحت وطأة الحرب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan