انتصارات قوات الدعم السريع الأخيرة: تحرير الدبيبات والحمادي والخوي وأم صميمة


في تحول عسكري بارز شهدته ولايات كردفان في السودان، أعلنت قوات الدعم السريع، في 29 مايو 2025، عن تحقيق انتصارات ميدانية كبيرة تمثلت في استعادة السيطرة على أربع مناطق استراتيجية هي: الدبيبات والحمادي في جنوب غرب كردفان، والخوي وأم صميمة في غرب وشمال كردفان. هذه التطورات، التي جاءت بعد معارك ضارية مع القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة للحركات المسلحة، أثارت جدلاً واسعاً حول توازن القوى العسكرية في المنطقة وأعادت رسم الخارطة السياسية والعسكرية لإقليم كردفان.

سياق الصراع في كردفان

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، شهدت البلاد نزاعاً دامياً أودى بحياة الآلاف وتسبب في نزوح ملايين المواطنين. إقليم كردفان، بولاياته الثلاث (جنوب، شمال، وغرب كردفان)، كان مسرحاً لاشتباكات عنيفة بسبب موقعه الاستراتيجي الذي يربط وسط السودان بإقليم دارفور وجنوب السودان. السيطرة على مدن مثل الدبيبات، التي تعد ملتقى طرق حيوي، أو الحمادي، القريبة منها، أو الخوي وأم صميمة، التي تربط شمال كردفان بالمناطق الغربية، تمنح الطرف المسيطر ميزة لوجستية وعسكرية كبيرة.

في الأسابيع التي سبقت هذه الانتصارات، كان الجيش السوداني قد أعلن عن تقدمه في عدة مناطق بكردفان، بما في ذلك السيطرة على الدبيبات في 23 مايو 2025، مما جعل عودة قوات الدعم السريع إلى هذه المناطق مفاجأة للكثيرين. ومع ذلك، يرى محللون أن هذه العودة تعكس قدرة قوات الدعم السريع على إعادة تنظيم صفوفها وحشد تعزيزات من مناطق أخرى، مثل دارفور، لشن هجمات مضادة.

تفاصيل الانتصارات

وفقاً لبيانات قوات الدعم السريع، بدأت الهجمات في صباح 29 مايو 2025، حيث شنت القوات هجوماً واسعاً على الدبيبات والحمادي، مستغلة تعزيزات كبيرة تم حشدها من إقليمي دارفور وكردفان. بعد ساعات من الاشتباكات العنيفة، تمكنت القوات من فرض سيطرتها على الدبيبات، وهي مدينة استراتيجية تقع على بعد 186 كيلومتراً من كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، و100 كيلومتر من الأبيض، عاصمة شمال كردفان. الدبيبات، التي تربط ولايات كردفان الثلاث وشرق دارفور، تُعد نقطة وصل حيوية للطرق البرية وخط السكة الحديدية، مما يجعلها ذات أهمية عسكرية واقتصادية كبيرة.

في الوقت ذاته، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على الحمادي، الواقعة على بعد حوالي 50 كيلومتراً من الدبيبات، بعد معارك كبدت الجيش ومليشياته خسائر فادحة، وفقاً لبيان الدعم السريع. كما تم الإعلان عن السيطرة على الخوي في غرب كردفان وأم صميمة غربي الأبيض، وهي مناطق كانت تحت سيطرة الجيش والقوة المشتركة قبل أيام فقط. هذه الانتصارات، التي وصفتها قوات الدعم السريع بـ"نقطة تحول حاسمة"، تضمنت الاستيلاء على معدات عسكرية نوعية، بما في ذلك مركبات قتالية وأسلحة ثقيلة.


الأهمية الاستراتيجية والتوقعات المستقبلية

تُعد هذه الانتصارات خطوة مهمة لقوات الدعم السريع، خاصة بعد تراجع سيطرتها في ولايات أخرى مثل الخرطوم والنيل الأبيض لصالح الجيش. السيطرة على الدبيبات والحمادي تفتح الطريق نحو الأبيض، حاضرة شمال كردفان، وتعزز موقف الدعم السريع في المفاوضات السياسية المستقبلية. كما أن السيطرة على الخوي وأم صميمة تضعف قبضة الجيش على غرب وشمال كردفان، مما قد يمهد لزحف أوسع نحو مدن رئيسية، كما توعد نائب قائد الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.

ومن الجدير بالذكر أن قوات الدعم السريع أكدت على تنسيقها مع كيانات سياسية وعسكرية ضمن "تحالف تأسيس السودان"، بما في ذلك الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، مما يشير إلى تحالفات أوسع قد تغير ديناميكيات الصراع. في المقابل، قلل حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي من أهمية هذه التحركات، مؤكداً أن الجيش والقوة المشتركة لا تزالان قادرتين على استعادة السيطرة.

إن انتصارات قوات الدعم السريع في تحرير الدبيبات والحمادي والخوي وأم صميمة تمثل نقطة تحول في الصراع الدائر في كردفان، لكنها تظل محفوفة بالتحديات العسكرية والإنسانية. في ظل استمرار الاشتباكات وتضارب الروايات، يبقى المشهد العسكري في السودان معقداً وغير مستقر. الأيام المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كانت هذه الانتصارات ستعيد تشكيل موازين القوى أم أنها مجرد جولة جديدة في حرب طويلة الأمد. وسط هذا الصراع، يظل المدنيون السودانيون الضحية الأكبر، حيث يواجهون النزوح والدمار في انتظار حل سياسي يعيد الاستقرار إلى بلادهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عبد الله حمدوك: رجل الإصلاح والأمل في سودان جديد

عبد الله حمدوك: رجل الاقتصاد والانتقال الديمقراطي في السودان

Abdalla Hamdok: A Legacy of Resilience and Reform in Sudan